جواب:
الاخ عبد الامير المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد ؛ فان غيبة الامام المنتظر عليه السلام كانت ضرورية ، لا غني للامام عنها ، نذكر لك بعض الاسباب التي حتمت غيابه عليه السلام :
1 ـ الخوف عليه من العباسيين :
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كلّ حجرٍ ومدرٍ ولم يرعوا أية حرمة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم في عترته وبنيه، ففرض الاقامة الجبرية علي الإمامين الزكيين الإمام علي الهادي ونجله الإمام الحسن العسكري عليهما السلام في (سامراء) واحاطتهما بقوي مكثفة من الأمن رجالاً ونساءً هي التعرّف علي ولادة الإمام المنتظر لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد ارعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وعن أوصيائه الأئمة الطاهرين أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم ، وأنه هو الذي يقيم العدل ، وينشر الحق ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي علي جميع انواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة علي أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليه السلام ، وألقوا القبض علي بعض نساء الإمام الذين يظن أو يشتبه في حملهن ، فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليه السلام وعدم ظهوره للناس ، وقد علل بذلك في حديث زرارة ، فقد روي أن الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره ، فبادر زرارة قائلاً : لَمِ ؟ فقال عليه السلام : يخاف القتل .
ويقول الشيخ الطوسي : لا علة تمنع من ظهور المهدي إلاّ خوفه علي نفسه من القتل ، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الإستتار ـ الغيبة : 199.
2 ـ الامتحان والاختبار :
وثمة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليه السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد أثر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أنّه قـال : أمّا والله ليغيبن إمامك شيئاً من دهركم ، ولتمحصن ، حتي يقال : مات أو هلك بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السنن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه ـ البحار : 53 / 7 و 281 ـ لقد جرت سنة الله في عباده امتحانهم ، وابتلاؤهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالي : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً ) وقال تعالي : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون) وغيبة الإمام عليه السلام من موارد الإمتحان فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه وصفت نفسه ، وصدق بما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم والأئمة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدة غير محددة ، أو أن ظهوره بيد الله تعالي ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنها آتية لا ريب فيها .
3 ـ الغيبة من أسرار الله :
وعللت غيبة الإمام المنتظر عليه السلام بأنّها من أسرار الله تعالي التي لم يطلع عليها أحد من الخلق ، فقد أثر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم ، أنه قال إنما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو : ثقلت في السماوات ، لا يأتيكم إلاّ بغتة .
ويقول الشيخ مقداد السيوري : كان الاختفاء لحكمة استأثر بها الله تعالي في علم الغيب عنده ـ مختصر التحفة الاثني عشرية : 199 .
4 ـ عدم بيعته لظالم :
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليه السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم، وقد أثر ذلك عن الإمام الرضا عليه السلام ، فقد روي الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، أنّ الإمام الرضا قال : كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعي فلا يجدونه فقال له : ولم ذاك يابن رسول الله ؟ .. .
قال عليه السلام : لأن إمامهم يغيب عنهم .. . ولِمَ ؟ ... .
لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف ـ علل الشرايع ، كمال الدين ـ .
وأعلن الإمام المنتظر عليه السلام ذلك بقوله : إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلاّ وأوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، واني أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ـ منتخب الاثر : 267.
هذه بعض الأسباب التي عللت بها غيبة الإمام المنتظر عليه السلام ، وأكبر الظن أن الله تعالي قد أخفي ظهور وليّه المصلح العظيم لأسبابٍ لا نعلمها إلا بعد ظهوره .
|