جواب:
الأخ شاهر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوّلاً : ليس لهذا الحديث سند معتبر بل فيه ضعف . ثانياً : إنّنا إذا لاحظنا الأحكام الإسلاميّة في عصر الغيبة ، وهو عصر يبعد عن مصدر التشريع الإسلامي ، وأخذنا بنظر الاعتبار من حيث وجودها النظري والتطبيقي نجد فيها أربعة موارد من النقص والقصور : الأوّل : الأحكام الإسلاميّة التي لم تعلن للناس أصلاً ، بل بقيت معرفتها خاصّة بالله ورسوله والقادة الإسلاميين ، وبقيت مستورة عن الناس ، ومؤجّل إعلانها إلي زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وتطبيق العدل الكامل . الثاني : الأحكام التالفة علي مرّ الزمن ، والسنة المندرسة خلال الأجيال ، ممّا يتضمّن أحكام الإسلام ومفاهيمه أو يدلّ عليها . فإنّ ما تلف من الكتب التي تحمل الثقافات الإسلاميّة علي اختلافها بما فيها أعداد كبيرة من السنّة الشريفة والفقه الإسلامي ، نتيجة للحروب الكبري من التاريخ الواقعة ضدّ المنطقة الإسلامية ، كالحروب الصليبيّة ، وغزوات التتار و المغول وغير ذلك .... عدد ضخم من الكتب يعدّ بمئات الآلاف ، ممّا أوجب انقطاع الأمّة الإسلاميّة عن عدد مهمّ من تاريخها وتراثها الإسلامي ، واحتجاب عدد من الأحكام الإسلاميّة عنها . الثالث : إنّ الفقهاء حين وجدوا أنفسهم محجوبين عن الأحكام الإسلاميّة الواقعيّة في كثير من الموضوعات المستجدّة ، والوقائع الطارئة علي مرّ الزمن ... اضطرّوا إلي التمسّك بقواعد إسلاميّة عامّة معيّنة تشمل بعمومها مثل هذه الوقائع ... إلاّ أنّ نتيجتها في كلّ واقعة ليست هي الحكم الإسلامي الواقعي ، في تلك الواقعة ، وإنّما هو ما يسمّي بالحكم الظاهري ، وهو يعني ما قيل من تحديد الوظيفة الشرعيّة للمكلّف عند جهله بالحكم الواقعي الأصلي . وهذا النوع من الأحكام الظاهريّة أصبح بعد الإنقطاع عن عصر التشريع ، وإلي الآن مستوعباً لأكثر مسائل الفقه أو كلّها تقريباً ما عدا الأحكام الواضحة الثبوت في الإسلام . ومراد الفقهاء بقطعيّة الحكم هو قطعيّة الحكم الظاهري ، أي أنّ هذه الفتوي هي غاية تكليف المكلّفين في عصر الاحتجاب عن عصر التشريع . الرابع : الأحكام غير المطبقة في المجتمع المسلم ، بالرغم من وضوحها وثبوتها إسلاميّاً سواء في ذلك الأحكام الشخصيّة العائدة إلي الأفراد ، أو العامّة العائدة إلي تكوين المجتمع والدولة الإسلاميّة .... ومع وجود هذه الجهات من النقص والقصور في الأحكام الإسلاميّة خلال عصر الانفصال عن عصر التشريع ، يكون بوسع الإمام المهدي عليه السلام إكمال تلك النواقص التي أشرنا إليها ، وسيكون له تجاه كلّ نقص موقف معين . أمّا بالنسبة إلي الأمر الأوّل فهو واضح كلّ الوضوح ، فإنّ الأمّة بعد بلوغها المستوي اللائق لفهم الأحكام الدقيقة المفصّلة ، وبعد أن كان الإمام المهدي عليه السلام هو الوريث الوحيد من البشر أجمعين لتلك الأحكام غير المعلنة ، يرويها عن آبائه ، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم ، عن الله جلّ جلاله ، إذن يكون الوقت قد أزف لإعلان تلك الأحكام ، لتشارك في البناء العالمي العادل الكامل ضمن التخطيط العام الجديد بعد الظهور . وأمّا بالنسبة إلي الأحكام التالفة فهو أيضاً واضح جداً ، فإنّ المفروض أنّ هذه الأحكام كانت معلنة في صدر الإسلام ، وإنّما كانت تحتاج المحافظة عليها وعدم إتلافها إلي مستوي معين من القدرة الدفاعية والشعور بالمسؤوليّة لدي المسلمين ، الذي كان قليلاً خلال أجيال المسلمين التي فقدت هذه الأحكام . والإمام المهدي عليه السلام بالفهم الإمامي يكون عارفاً بهذه الأحكام عن طريق الرواية عن آبائه ، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم ، عن الله عزّوجلّ . وأمّا بالنسبة إلي الأمر الثالث فواضح أيضاً ، بعد الذي عرفناه من أنّ الأحكام الظاهريّة تعني تعيين تكليف الإنسان من الناحية الإسلاميّة ، ووظيفته في الحياة عند الجهل بالحكم الواقعي ، ذلك الجهل الناشئ من البعد عن عصر التشريع . وأمّا إذا كان الفرد مطلعاً علي الحكم الإسلامي الواقعي ، فيحرم عليه العمل بالحكم الظاهري . والمهدي عليه السلام يعلن الأحكام الواقعية الإسلاميّة بأنفسها . وبحدّ تعبير ابن العربي في (الفتوحات المكيّة) : يظهر من الدين ما هو الدين ، عليه في نفسه ، ما لو كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم لحكم به . وأمّا بالنسبة إلي عدم وصول بعض الأحكام الإسلاميّة إلي مستوي التطبيق في عصر ما قبل الظهور فيقوم الإمام المهدي عليه السلام بنفسه بتطبيق الأحكام العامّة ، فيؤسّس الدولة العالميّة العادلة الكاملة ، ويقوم بإدارة شؤونها . وبعد أن اتّضح كلّ ما قلناه نعرف بكلّ جلاء ما هو المراد ممّا ورد من : أنّ الإمام المهدي عليه السلام يأتي بأمر جديد ، وسلطان جديد ...
|